تعريف الجريمة من المنظور الاجتماعي أنها:
هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة و ما هو عدل في نظرها. أو هي إنتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه. أو هي انتهاك و خرق للقواعد و المعايير الاخلاقية للجماعة. و هذا التعريف تبناه الاخصائيون الانثروبولوجيون في تعريفهم للجريمة في المجتمعات البدائية التي لا يوجد بها قانون مكتوب.
المنظور هي:
•قيمة تقدرها و تؤمن بها جماعة من الناس.
•صراع ثقافي يوجد في فئة أخرى من تلك الجماعة لدرجة أن أفرادها لا يقدرون هذه القيمة و لا يحترمونها و بالتالي يصبحون مصدر قلق و خطر على الجماعة الأولى.
•موقف عدواني نحو الضغط مطبقاً من جانب هؤلاء الذين يقدرون تلك القيمة و يحترمونها تجاه هؤلاء الذين يتغاضون عنها و لا يقدرونها.
تعريف الجريمة من المنظور النفسي:
هي إشباع لغريزة انسانية بطريقه شاذه لا يقوم به الفرد العادي في إرضاء الغريزة نفسها و هذا الشذوذ في الإشباع يصاحبة علة أو أكثر في الصحة النفسية و صادف وقت إرتكاب الجريمة إنهيار في القيم و الغرائز السامية. أو الجريمة هي نتاج للصراع بين غريزة الذات أي نزعة التفوق و الشعور الاجتماعي.
تعريف الجريمة من المنظور القانوني:
الجريمة هي كل عمل يعاقب علية بموجب القانون. أو ذلك الفعل الذي نص القانون على تحريمة و وضع جزاء على من ارتكبه.
مفهوم المجرم:
تعريف المجرم من المنظور الاجتماعي:
هو الشخص الذي لا يلتزم و لا يخضع لقانون الدولة و يحاول إنتهاكه. و هو الشخص الذي يعتبر نغسة مجرماً و يعتبرة المجتمع مجرماً كذلك.
تعريف المجرم من المنظور النفسي:
و هم الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات او انحرافات في الاشخصية او السمه. و هي ناجمة عن النمو و الارتقاء و الانفصال اللاسوي و للعلاقات الغير مرضية و المعبة بين (الهو و الأنا و الأنا العليا) و هي الاسباب الرئيسية لسلوكهم الاخرامي هذا.
ايضاً المجرم هو من يعاني قصوراً في التوفيق بين غرائزه و ميولة الفطرية و بين مقتضيات البيئة الخارجية التي يعيش فيها.
تعريف المحرم من المنظور القانوني:
هو الشخص الذي ينتهك القانون الجنائي الذي تقررة السلطة التشريعية التي يعيش في ظلها. و من ثم هو الذي يرتكب جرم ما و يعد جريمة في نظر القانون فقط و لا يعتبر مجرماً إذا ما قام بفعل جرم ما و لا يحبذه المجتمع.
و في وجهة نظر القانون فلفظ مجرم لا يطلق على الشخص المرتكب الجريمة إلا بعد التحقيق فيها و صدور الحكم فيها و إلا فهو يعتبر متهماً فقط. نجد ايضاً أنه توجد معايير تقرر جواز معاملة مرتكب الجريمة كمجرم منها:
•السن: يجب أن يكون سن مرتكب الجريمة مناسباً فهناك بعض البلاد التي تحدد سن ال7 لتعاقبه حيث أن قبل ذلك يكون الطفل غير واعي و لا يعرف الصح من الخطاء و بعض البلاد التي نجدها تحدد سن المسؤلية الجنائية بقانون وضعي او في الدستور. و بغض النظر على القوانين الجنائية نجد أن مرتكبي الجريمة من الاطفال يعاقبون بطريقة إنشائية أو تودعهم مركز للأحداث بما يعود عليهم بالفائدة و المصلحة.
•يجب أن تكون الأفعال الإجرامية أيضاً إختيارية و ارتكبت دون أي ضغوط أو إكراه و الإكراه الذي يجب أن يكون واضحاً و متصل اتصالاً مباشراً بالفعل الاجرامي المعين. فمثلاً أن تأثير الأباء او اصدقاء السوء الغير مباشر و القديم على مرتكب الجريمة لا يعترف بها على أنها ضغوط.
•يجب أن يكون الفعل مصنفاً قانوناً كضرر للدولة و ليس ضرر خاص أو خطاء ما لأن عادة يقوم الناس بمعالجة بعض الأمور بنفسهم فيما بينهم و التي يمكن أن تتطور و تصبح مشكلة كبيرة و يتضرر فيها العديد من الاشخاص و الممتلكات و التي كان يمكن إجتنابها برفع دعوى خاصى للمحكمة او للشرطة ليقوموا هم بمعالجتها.
مفهوم الضحية:
الضحية هم كل ما أصابهم شراً أو أذى نتيجة لخطاء أو عدوان أو حادث.
الضحايا أنواع و تختلف هذه الأنواع بغختلاف الجرائم التي يرتكبها المجرمون. فهناك ..
ضحايا القتل العمد ضحايا القتل الخطأ ضحايا الإيذاء
ضحايا السرقات ضحايا النصب ضحايا الإغتصاب لكلا الجنسين
ضحايا الإدمان ضحايا العنف ضد النساء
ضحايا العنف من الأطفال ضحايا الحوادث المختلفة من مواصلات
ضحايا السقوط من علو ضحايا الإنتحار ضحايا الفقر ضحايا الحروب
اسباب الجريمة
المبحث الأول: أسباب الجريمة في كتب علماء الإجرام..
لقد بذل علماء الإجرام الذين عنوا بدراسة الجريمة والمجرم، وتدابير الوقاية من الجريمة والعقاب عليها، جهودا مضنية فى معرفة أسباب الجريمة ودوافع المجرمين لارتكاب الجرائم..
واستعانوا بكل ما استطاعوا من العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية، للوصول إلى معرفة تلك الأسباب والدوافع.
وقد أنكروا الوسائل التى اتخذت فى القديم لمعرفة أسباب الجريمة والتي كان يغلب عليها الطابع التجريدى..
فقالوا:
"كان الطابع التجريدى هو الغالب على جهود الإنسان، خلال قرون طويلة من بحثه عن تفسير السلوك الإجرامي، وفى مراحل متعددة من هذه الجهود ظل النظر إلى الجريمة غيبا أو خرافيا.. فالجريمة عندهم رجس من عمل الشيطان، ومن الأرواح الشريرة يدخل جسد المجرم فيفسد نفسه وروحه..." [علم الإجرام وعلم العقاب للدكتور عبود السراج ص:157 ـ ط1].
وتطورت النظرة إلى أسباب الجريمة مما سموه بالخرافة كما مضى، إلى أن الإنسان يملك عقلا واعيا وإرادة حرة يملك بهما اختيار سلوكه، ويختار ما نفْعُه عنده أكبر من ضرره، وذلك هو سبب إقدامه على الجريمة. [المراجع السابق].
أي إذا رأى أن منفعته من الإقدام على الجريمة، أعظم من الضرر الذى يتوقعه من إقدامه، أقدم عليها.
وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة، هي عوامل جغرافية، فترتفع نسبة الجريمة وتنخفض حسب تغير المناخ، كالحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة والأمطار، والطقس، والضغط الجوى والعواصف والرياح..... الخ..
وقالوا:
إن جرائم العنف - وبخاصة الاعتداء على الإنسان - تزداد فى المناطق والفصول الحارة وتنخفض فى المناطق والفصول الباردة..
وجرائم الأموال تزداد فى المناطق الباردة وتنخفض فى المناطق الحارة، وبنوا اتجاههم هذا على إحصائيات فى بعض الدول كفرنسا.
وقال بعضهم:
إن نسبة الجريمة تختلف باختلاف الموقع الجغرافي، فالمناطق التى تكون أقرب إلى خط الاستواء تكثر فيها جرائم العنف، والمناطق القريبة من القطبين تكثر فيها جرائم المسكرات والمخدرات.
وقال بعضهم:
إنها تتفاوت باختلاف التضاريس، فتقل الجرائم فى المناطق السهلة والأرض المنبسطة، وتزيد فى المناطق الجبلية، وتصل ذروتها فى قمم الجبال.. [المرجع السابق.. ص173ـ176 وص: 233ـ242].
وذهب آخرون إلى:
أن السبب وراثي – أي إن المجرم يعود بسبب الوراثة إلى الانسان البدائي الأول – هكذا – الذى كان يحمل صفات دونية شبيهة بصفات القردة والحيوانات الدنيا، ويعيش حياة بدائية خالية من القواعد والنظم.. [المرجع السابق ـ ص: 184].
ومعلوم أن هذا افتراض معارض للأديان السماوية، التى تدل كتبها كلها، وآخرها القرآن الكريم، على أن الإنسان خلق مصحوباً بهدى الله تعالى، منذ آدم عليه السلام إلى أن جاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذهب آخرون إلى:
إرجاع سبب الجريمة إلى الصفات العضوية..وأنه يمكن معرفة المجرم عن طريق بعض صفاته العضوية.
فجمجمة المجرم تكون أصغر أو أكبر من الحجم الطبيعي لغيره، وأن جبهته تكون ضيقة ومنحدرة، وحواجبه تكون كثيفة، وعيناه غائرتان، وأنفه أفطس وشفاهه دقيقة، وفكه عريض وأذناه عريضتان مائلتان إلى الأمام، ووجهه طويل وعريض، وشعر رأسه كثيف، وشعر ذقنه قليل وذراعاه طويلتان، يوجد فى إحدى قدميه أو يديه أصبع زائدة.. [المرجع السابق ـ ص: 185، وكتاب أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي للدكتور عدنان الدوري ص: 117].
وهذه إحدى طرق اكتشاف المجرم بالفراسة..
وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة تعود إلى وظائف الأعضاء.
ومن أمثلة ذلك الغدد الصماء..قالوا:
إن اختلال إفرازاتها يؤدى إلى خلل فى التركيب الكيماوي للدم وللسوائل الأخرى التى تدخل فى تكوين أعضاء الجسم، وهذا الخلل يحدث اضطرابات فى أجهزة الفرد، وخاصة فى الجهاز العصبي ويؤثر فى سلوكه وانفعالاته، ويؤدى إلى أنواع من الإجرام.. [علم الإجرام وعلم العقاب ص:220].
ورأى بعضهم أن أسباب الجريمة تعود إلى العاهات والأمراض، وبخاصة العمى والصمم والبكم، وتشوه الوجه، والقبح وقصر القامة والعرج، والشلل..
وأن تلك الحالات تؤدي إلى التألم والشذوذ، ويشعرون معها بنقص أنفسهم فى المجتمع، وضياع مراكزهم الاجتماعية، فيهيئهم هذا الوضع لارتكاب الجرائم.. [المرجع السابق ص:222].
ورد بعضهم أسباب الجريمة إلى العمر، ورأوا أن صغار السن أكثر إقداماً إلى الجرائم من كبار السن، واختلفوا فى السن التى تقع فيه أعلى نسبة من الجرائم..
فقال بعضهم: إنها تقع مابين سن الثامنة عشرة والخامسة والعشرين..
وقال آخرون: إنها فى مرحلة المراهقة وهى – غالباً - ما بين سن أربع عشرة وسبع عشرة سنة وتقل فى مرحلة النضج.
ويرى آخرون أن أسباب الجريمة راجعة للجنس، أي للذكورة والأنوثة، فإجرام النساء أقل من إجرام الرجال بسبب اختلاف البيئة الداخلية للمرأة عن الرجل، واختلاف القدرات البدنية، ولأن الرجل أكثر احتكاكاً بالمحيط الخارجي من المرأة..[المرجع السابق ص 222]
وذهب آخرون إلى رد أسباب الجريمة إلى العرق، أي إلى الأجناس البشرية المختلفة، فالزنوج أعلى نسبة في جرائم العنف، وكذلك الشعوب التي تسكن في حوض البحر الأبيض المتوسط، وجرائم الأموال عند سكان المناطق الشمالية أكثر من غيرهم... [نفس المرجع ص 229-231]
وذهب آخرون إلى أن أسباب الجرائم تعود إلى أسباب نفسية، كالضعف العقلي، والأمراض العقلية والنفسية والعصبية وعدم استطاعة الإنسان التوفيق بين شهواته التى تكره القيود، والواقع الخارجي الذى فرض المجتمع فيه قيودا، وهكذا.. فيدفع بسبب ذلك إلى إشباع غرائزه ولو بارتكاب الجريمة . [نفس المرجع ص 229—231]
وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة عوامل اجتماعية منها الاقتصادية، كالفقر الذى يعد عاملاً أساسياً فى تكوين السلوك الإجرامي.. والبيئة التى تهيأ فيها الفرص لارتكاب الجريمة. [نفس المرجع ص 262-276]
ومنها انعدام الاستقرار الاقتصادى الذي يكون بين رخاء تقل فيه جرائم الأموال، وهبوط تكثر فيه تلك الجرائم وغيرها، ومنها تطور البناء الاجتماعي وازدياد نموه الذى يزداد بسببه نظامه تعقيداً، ينتج عنه عدم التجانس والتوافق، بسبب زيادة القيود والأنظمة، فتنطلق شهوات الأفراد ضد تلك القيود والأنظمة، ومن هنا تكون الجريمة ناشئة من عوامل اجتماعية.
ومنها أن الفرد فى المجتمع يقلد غيره، بحيث يقلد الصغير من هو أكبر منه، نتيجة اختلاط أفراد المجتمع الواحد فى العائلة والحي والرفقة والوظيفة والزمالة وغيرها.. [نفس المرجع ص 308-317]
ومنها الاختلاط التفاضلي، وهو أنه يوجد فى المجتمع ثلاثة أصناف:
الصنف الإجرامي المعادى للقوانين والأنظمة..
والصنف المؤيد للقوانين والمطيع لها..
والصنف المحايد..
والفرد يختلط بهولاء وأولئك، فإذا رجحت عنده كفة معاداة القوانين تتوثق علاقته بصنف المجرمين، وتزداد عزلته عن الأصناف المعادية للإجرام، فيصبح مجرماً. [نفس المرجع ص 318-329]
وذهب آخرون إلى أن أسباب الجريمة ترجع إلى عوامل سياسية، فيرى التفسير الماركسي أن التناقضات التى تحدث داخل المجتمع الرأسمالي، تخلف أشكالاً من الصراعات التى تكون الجريمة فيها تعبيراً عن الصراع بين الفرد والظروف المحيطة به. [نفس المرجع ص 336]
هذه بعض الأسباب التى ذكرت فى كتب علماء الإجرام، حاولت تلخيصها من صفحات طويلة ولم ألتزم بكثير من مصطلحاتهم، ولا ذكر أصحاب النظريات، خشية الإطالة من جهة، وتيسير الفهم للقارئ من جهة أخرى.
الجريمة والعقوبة في الشريعة الاسلامية
د. سامية حسن الساعاتي
لما كان الدين الاسلامي هو ثالث الأديان السماوية، فإن الشريعة التي أقام عليها معاملات الناس بعضهم مع بعض في ميدان الجريمة، قد اختلفت اختلافاً بيناً عنها في كل من الدين اليهودي والدين النصراني. ويؤكد القرآن الكريم ذلك في تلك الآية الحاسمة: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) المائدة/ 48. وربما كان الاختلاف نتيجة الأخذ بأحسن ما جاء في كل من الديانتين السابقتين، من حيث الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها.
فمن ذلك أن القرآن الكريم قد اتجه، كما اتجهت التوراة المقدسة من قبله، إلى تحديد عقوبات رادعة لمن ينتهكون حرمات المجتمع، التي هي في الوقت ذاته حرمات الله، وذلك لهداية البشر إلى الفضيلة المجردة والعدالة الحقيقية، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، إذ (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت...) البقرة/ 286.
والشريعة الاسلامية، كالشريعة اليهودية والشريعة النصرانية، تتفق في أحكامها مع القانون الأخلاقي اتفاقاً لا ثغرة لاختلاف فيه. فالعقاب لمن يخرج على الشريعة الاسلامية والقيم الأخلاقية التي تحض عليها، والثواب لمن يتمسك بها وينقذها. فجرائم الاعتداء على الأنفس والأموال وقطع الطريق والسرقة والزنى وقذف المحسنات، جرائم يجري عليها الإثبات، ومن شأنها إفساد الجماعات. ولذلك وضعت لها عقوبات زاجرة رادعة، وهي عقوبات مقررة في الاسلام، يطبقها القضاة وينفذها الحكام.
ويتماثل الاسلام مع النصرانية في إيقاظ الضمير الانساني وإخضاع البشر له، فيحسون بأنهم في رقابة من الخالق عزوجل، وأنهم يحاسبون حتى ولو لم يطلع أحد من الناس على أفعالهم، لأنه سبحانه مطلع على العباد، (ويعلم ما تخفون وما تعلنون) النمل/ 25. (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) غافر/ 19. (ويعلم ما تفعلون) الشورى/ 25.
وغني عن البيان أن إيقاظ الضمير الانساني بالهدي الديني بالترغيب في رضا الله والترهيب من عذابه، يقي كثيراً من الناس من ارتكاب الجرائم، بل إنه يدفع ذوي الحساسية الدينية المرهفة إلى المبادرة إلى التطهر من آثامهم بالاستغفار والتوبة النصوح، وفي بعض الأحيان بالاعتراف لأولي الأمر وطلب توقيع العقوبة عليهم، حتى وإن كانت إزهاق أرواحهم. وهذا ما فعله ماعز وما فعلته أيضاً الغامدية، وصارت قصة كل منهما معروفة، ونقلها الصحابة إلى التابعين، ثم تنوقلت من بعدهم، ليعلم المسلمون حكم الرسول (ص) بالرجم في حالة كل منهما بعد الاعتراف المتتابع المتكرر أربع مرات.
ويلتقي مع إيقاظ الضمير الانساني وإرهاف الحساسية الدينية لدى المسلمين، فتح باب التوبة على مصرعيه وشمول التائبين النادمين المستغفرين برحمة الله مغفرته. (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقطنوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) الزمر/ 53، 54. وقد أمر الله المذنبين بالمسارعة إلى طلب مغفرته، حتى ينعموا بما أعد للمتقين من نعيم. ومن هؤلاء المتقين أناس قال في حقهم: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومَن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك لهم مغفرة من ربعهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدون فيها، ونعم أجر العاملين) آل عمران/ 135. ولا شك في أن هذه المعاملة السمح الرحيمة، تلين قلوب العصاة، وتهدي الضالين إلى طريق الاستقامة، إلا مَن كان سادراً في غيّه، ممعناً في الفساد والإفساد، ضعيف الإيمان أو ليس في قلبه شيء منه.
وبينما تكون التوبة من الآثام في الديانة اليهودية بتقديم كفارات يطلق عليها ذبائح خطايا أو ذبائح آثام إلى الكاهن، فيكفر عن الآثم فيصفح الرب عنه، وتكون التوبة من الآثام في الديانة النصرانية بالاعتراف لراعي الكنيسة، فيكفر عن الآثام ويغفر له، تكون التوبة من الآثام في الديانة الاسلامية بين العبد وربه مباشرة، أي بدون وسيط، إذ ما على الآثم إلا أن يستغفر الله في نفسه مع الندم على ما اقترف. ففي اليهودية، على سبيل المثال، ورد في (سفر اللاويين) ما نصه: (وكلم الرب موسى قائلاً: إذا أخطأ أحد وخان خيانة بالرب وجحد صاحبه وديعة أو أمانة أو مسلوباً، أو اغتصب من صاحبه، أو وجد لقطة وجحدها وحلف كاذباً على شيء من كل ما يفعله الانسان مخطئاً به، فإذا أخطأ وأذنب يرد المسلوب الذي سلبه أو المغتصب الذي اغتصبه أو الوديعة التي أودعت عنده أو اللقطة التي وجدها، أو كل ما حلف عليه كاذباً. يعوضه برأسه ويزيد عليه خمسة إلى الذي هو له يدفعه يوم ذبيحة أثمة. ويأتي إلى الرب بذبيحة لأثمه كبشاً صحيحاً من الغنم بتقويمك ذبيحة أثم إلى الكاهن. فيكفر عنه الكاهن أمام الرب، فيصفح عنه في الشيء من كل ما فعله مذنباً به).
وجاء في (انجيل لوقا) أن المسيح (ع) قال للكتبة والفريسيين الذين اعترضوا في السر على غفرانه خطايا المرضى: (... لكي تعلموا أن لابن الانسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا). ويذكر القديس يوحنا في انجيله، أن المسيح ظهر لتلاميذه بعد وفاته وقال لهم: (من غفرتم خطاياه تغفره له). وورد في رسالة بولس الرسول الأول إلى تيموثاوس، ابنه في الإيمان، بخصوص خلاص جميع الناس من الخطايا بواسطة المسيح، ما نصه: (لأنه يوجد إله واحد، ووسيط واحد بين الله والناس، الانسان يسوع المسيح. ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) الشورى/ 25. ويقول أيضاً: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه/ 82. ويدل ذلك على أن الله يغفر الذنوب والآثام دون وساطة من أحد، إذ يكفي أن يندم المسلم الآثم ويتوب بصدق وجد، فيتوب الله عليه، (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) المائدة/ 39. ومهما يكن من اختلاف طريقة التوبة تعقيداً ويسراً في الأديان الثلاثة، فإن مبدأ التوبة والمغفرة ثابت مؤكد فيها، ويؤدي وظيفة ردعية، من شأنها أن تكف الآثمين عن استمراء الآثم والاستمرار في اقترافه. فتكون النتيجة النهائية وقاية المجتمع.
والذي يوقظ ضمير المسلمين ويجعل إحساسهم الديني في معاشرتهم مرهفاً، تربيتهم على الحياء من اقتراف الذنوب وارتكاب الجرائم، ولذلك قيل الحياء من الإيمان. ومن أقوال الرسول (ص): (لكل دين خلق، وخلق الاسلام الحياء). وجاء في مأثور الحكم: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
والذين يربون منذ نعومة أظفارهم على الحياء، يكفون أنفسهم عن الخروج على تعاليم الدين. وإذا تعذر عليهم ذلك في بعض الأحيان تحت ضغط ظروف صعبة، فإن حياءهم يأبى عليهم إلا التستر، كما يفرض عليهم الكتمان التام وعدم الجهر بسوء ما فعلوا. ولذلك فإن الاسلام يعد الجريمة المعلنة جريمتين: جريمة الفعل، وجريمة الإعلان عنه.
ولذلك كانت عقوبة بعض الجرائم على إعلانها. فقد قال (ص): (أيها الناس! مَن ارتكب شيئاً من هذه القاذورات فأستتر فهو في ستر الله، ومَن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد). ويروي أيضاً قوله في هذا الصدد: (إن من أبعد الناس منازل عن الله يوم القيامة المجاهرين، قيل: ومَن هم يا رسول الله؟ قال: ذلك الذي يعمل عملاً بالليل، وقد ستره الله عليه، فيصبح يقول: فعلت كذا وكذا، يكشف ستر الله تعالى). وقال أيضاً: (مَن ستر على مسلم ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة).
فستر الجرائم وعدم الإعلان عنها بأي شكل من الأشكال يحافظ على استقرار المجتمع ويجعل الجو الخلقي فيه نقياً، فيحتم ذلك على المجرم أن ينزوي فلا يظهر، وأن يطوي جرمه في ثنايا ضميره يحجبه الحياء والخشية من الله والخوف من الناس. وهكذا لا تشيع الفاحشة بين الناس، ولا توقظ الفتنة، فينعم المجتمع بالاستقرار ويعم فيه الهدوء. ولذلك كان من أبشع الجرائم قذف النساء واتهامهن باقتراف الزنى، والتحدث بذلك سراً وعلانية، وهن غافلات لا يعلمن مما يقال في حقهن شيئاً. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) النور/ 19. ولذلك كان حد القذف قريباً من حد الزنى، بل إن الجاني يفقد حقاً من حقوقه الشرعية، إذ يقول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) النور/ 4.
وتمشياً مع هذا الاتجاه في المحافظة على استقرار المجتمع، وعدم شيوع الفاحشة فيه، يرى الاسلام تضييق دائرة العقاب، عن طريق درء الحدود بالشبهات، كما قال الرسول (ص): (ادرأوا الحدود بالشبهات، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة). ويقول محمد أبو زهرة تعقيباً على ذلك: (وان هذا بلا ريب تضييق للعقاب وجعله رمزاً مانعاً، بدل أن يكون عاماً جامعاً. وحسب المؤمنين أن تكون هناك يد مقطوعة كل عام، ليكون ذلك مانعاً زاجراً، يجعل كل سارق يترقب مثل ما نزل بغيره، فيكون الامتناع عن السرقة). والشبهة التي تدرأ الحد هي (التي يكون عليها المرتكب، أو تكون بموضوع الارتكاب، ويكون معها المرتكب معذوراً في ارتكابها، أو يعد معذوراً عذراً يسقط الحد، ويستبدل به عقاب دونه، على حسب ما يرى الحاكم. ويقول الفقهاء في تعريفها: إنها ما يشبه الثابت وليس بثابت، أو هي وجود صورة الثابت). ولئن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن التضييق في تطبيق الحدود أمر مستحسن في الاسلام. ويمكن تقسيم الشبهات التي تدرأ الحدود، أو تؤثر في ضرورة توقيع العقوبات المقدرة سواء أكانت قصاصاً أم حداً، إلى أربعة أقسام: أولها ما يتعلق بركن الجريمة، وثانيها ما يرتبط بالجهل النافي للقصد الجنائي في الارتكاب، وثالثها ما يتعلق بالإثبات، ورابعها ما يتصل بتطبيق النصوص على الجزئيات والخفاء في التطبيق في بعضها.
يتضح مما تقدم أن الشريعة الاسلامية تأخذ بالاتجاه المسيحي في الوقاية، بل أنها لتتوسع في ذلك، ليس فقط لمصلحة الجاني بإعطائه فرصة للندم والاستغفار والتوبة والعزم على عدم العود إلى فعل ما فعل، بل أيضاً لمصلحة المجني عليه لكيلا يفتضح الأمر ويصبح الضرر بليغاً، ثم هو من ناحية ثالثة لمصلحة المجتمع حتى لا يعدم استقراره وتشيع الرذيلة فيه، فيؤدي ذلك إلى ظهور موجة من الاستهتار بالقيم وعدم التمسك بالمبادئ الدينية والخلقية. فالشريعة الاسلامية، إذن، ذات وظيفة نفعية عامة، فهي تحافظ على المصالح الانسانية التي تقتضيها الضرورة الاجتماعية حقاً وعدلاً، وهكذا تشيع الاستقرار والطمأنينة في المجتمع.
وليس هناك اختلاف في أن الجريمة فعل يستوجب عقاباً ويستحق زجراً. وكلمة جريمة مشتقة من الفعل جرم بمعنى كسب وقطع. وقد خصصت منذ عهد قديم للكسب غير المشروع وغير المستحسن. ولذلك يدل معنى كلمة جرم على الحمل على إتيان فعل حملاً آثماً. ومن هنا كان اطلاق كلمة جريمة اصطلاحاً على ارتكاب كل ما هو مخالف للحق والعدل والاستقامة اطلاقاً صائباً. فالجريمة فعل ما نهت عنه الشريعة الاسلامية ومعصية ما أمرت به. ولما كانت الشريعة منزلة من عند الله، فإن الجريمة فعل ما نهت عنه الشريعة الاسلامية ومعصية ما أمر الله به وعدم الانتهاء عما نهى عنه، وذلك باتيان فعل محرم معاقب على فعله، أو ترك فعل واجب معاقب على تركه. ولكن لما كان الفقهاء ينظرون إلى المعاصي التي يرتكبها بعض الأفراد من ناحية سلطان القضاء عليها، وما تقرر لها من عقوبات دنيوية، فإنهم يطلقون اصطلاح الجريمة على المعاصي التي لها عقوبة ينفذها القضاء، باعتبار (أنها محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد، أو تعزيز).
وتتكرر في القرآن الكريم والسنة النبوية كلمات الخطيئة، والإثم والمعصية، والفعل أجرم وبعض مشتقاته. وتتلاقى هذه الكلمات في معناها مع تعريف الجريمة بمعناها العام، من حيث أنه يراد بها كل أمر يخالف أوامر الله ونواهيه. ومع ذلك فإنه يلاحظ في الجريمة ما يكسبه المجرم منك سب خبيث مستهجن في العقول، كما يلاحظ في الإثم أنه يعيق من الوصول إلى المعاني الانسانية السامية، لأن الإثم اسم للأفعال المبطئة. ويلاحظ كذلك في الخطيئة أن الشر يملأ النفس ويسيطر عليها، حتى يصير صادراً عناه تلقائياً، أي من غير قصد غليه، وذلك نتيجة تعمده مراراً إلى أن يصبر عادة. وكل ذلك معصية، أي خروج من الطاعة ومخالفة الأوامر. ومعصية الله جريمة من وجهة النظر الدينية، لأنها مخالفة أوامر ونواهي شريعته التي جعلها رحمة بالبشر، لأنها تجعلهم يعيشون في مأمن من الشرور والآثام ومن بغي بعضهم على بعض وظلمهم بعضهم بعضاً. ولا فرق في الشريعة الاسلامية بين الجريمة والجناية. فالجناية هي ما يحصله الفرد أو يكسبه من ثمرة خبيثة لا يقبلها العقل ولا يستسيغها الضمير الأخلاقي ولا ترضى عنها الجماعة، لأنها توجد النفور والعداوة والبغضاء والحقد وتزكي الرغبة في الانتقام بين أفرادها فتسوء أحوالها ويسوء مصيرها. هذا بالاضافة إلى أن مرتكب الجناية خارج عن طاعة الله، بعصيان أوامره وعدم الانتهاء على نواهيه، وهكذا يبوء بغضب الله ثم لعنته وعذابه بالخلود في جهنم، كما في جناية القتل العمد وبلعنته، أي طرده من رحمته، كما في خيانة القذف.
وكما في الناموس الذي أنزل على موسى (ع)، نجد في القرآن الكريم ن كل جناية من الجنايات مقرونة بعقوبتها. ولذلك كان من معاني العقوبة أنها فعل من صاحب الأمر يقع عقب ارتكاب الجناية بفترة وجيزة. ولذلك مغزى عميق، إذ أن للسرعة في توقيع العقوبة أثراً رادعاً للجاني، في حالة عدم قتله، كما أنه لها كذلك أثراً قمعياً، إذ فيه عبرة لمن يعتبر، إذا كانت نفسه تحدثه بارتكاب الجناية نفسها. والجنايات المقرونة بعقوباتها في كتاب الله تصنف صنفين:
أ) جنايات عقوبتها القصاص، وهي القتل والجرح، أي الجنايات على الأنفس أو أعضاء البدن.
ب) جنايات عقوبتها الحد، وهي: 1 ـ الزنى، أي الجنات على الأعراض، 2 ـ والقذف، أي الجنايات على شرف النساء بسبهن، 3 ـ والسرقة والحرابة، أي الجنايات على الأموال خفية، أو علناً بقطع الطريق والسلب. ويضاف إلى ذلك جناية رابعة ذكرها القرآن دون إيراد حد لها، وهي شرب الخمر. وقد سن الرسول (ص) عقوبتها. وهناك اجراء شرعي يتخذ في حالة اتهام الزوج زوجته بالزنى، وهو اللعان. وهو يختلف في الاسلام اختلافاً بيناً عنه ي ناموس اليهود.
منقولة من عدة مصادر