حلب
تعد مدينة حلب من أقدم المدن في العالم حافظت على وجودها حتى اليوم، وهي مدينة كبيرة ذات أهمية جغرافية وتاريخية واقتصادية. وتعتبر عاصمة الشمال. نشأت على ضفاف نهر قويق في موقع استراتيجي هام. ورد اسمها في نصوص ماري المسمارية، كذلك نجد اسمها في وثائق ألالاخ إذ كانت مقراً عمورياً وعاصمة لمملكة يمحاض العمورية في النصف الأول من الألف الثاني. وبقيت محتفظة باسمها حتى العصر الهلنستي إذ أصبح بيرويه حتى أعاد العرب إليها اسمها بعد تحريرها مع قنسرين.(1)
وتبدو أهمية حلب بسبب موقعها وعلاقاتها التجارية مع الدول الحاكمة في عصرها وبخاصة مع أكاد في بلاد الرافدين. وفي العصر العموري كانت يمحاض وعاصمتها حلب مسيطرة على طريق التجارة الدولية وأثرت ثراءً كبيراً من التجارة والرسوم. وكانت حلب الدرع الواقي من زحف الحثيين، وكانت في حروب مستمرة معهم. ثم دخلت تحت السيطرة الآرامية ثم الآشورية ثم الفارسية إلى أن جاء الإسكندر المكدوني وأعقابه، فاهتم بها السلوقيون وجعلوا اسمها بيرويه. وفي عام 64ق.م أصبحت سورية الشمالية مقاطعة رومانية وحرّف اسمها وأصبح بيرويا.
هاجمها الفرس عام 450م وكانت تحت الحكم البيزنطي، حتى إذا جاء الفتح الإسلامي استعادت حلب اسمها ومكانتها وأصبحت جزءاً من الدولة العربية وعاصمتها دمشق ونعمت بسلام دائم وازدهار اقتصادي خلال الحكم الأموي.
وبعد سقوط الدولة الأموية وانتصار بني العباس، تفتحت فيها الحياة الثقافية وبخاصة في مجال الترجمة. ثم آلت إلى حكم بني حمدان منذ عام 944م. حيث بلغت قمة ازدهارها وارتفعت فيها راية الأدب والفروسية والجهاد ضد الدولة البيزنطية، وكان المتنبي والشاعر أبو فراس الحمداني شاعرا البلاط الحمداني إلى جانب الموسيقي الفيلسوف أبي النصر الفارابي وابن نباته الواعظ وابن خالوية اللغوي وابن جني النحوي. وكانت الحملات مستمرة في الثغور ضد الروم حتى وصلت الجيوش إلى أسوار القسطنطينية وفيها كان أسر الشاعر أبي فراس الحمداني.
وبعد الحمدانيين جاء المرادسيون عام 1024م. وفي عام 1128 جاء عماد الدين زنكي الذي باشر حركة توحيد البلاد وتطهيرها من الصليبيين، وبعد مقتله خلفه على حكم حلب ولده نور الدين محمود الملقب بالملك العادل. وبعد وفاة نور الدين، تبوأ صلاح الدين الحكم بادئاً العصر الأيوبي في مصر والشام. وكانت حلب في هذه الحقبة من الحكم الأتابكي نور الدين والأيوبي وحتى عصر المماليك، مدينة زاهرة عمرانياً وثقافياً، ومازالت آثار هذه العصور قائمة فيها جاعلة منها إحدى أكبر المدن الإسلامية آثارياً، وتقف قلعة حلب شامخة شاهدة على هذا الازدهار المعماري. ثم تتعرض حلب إلى أبشع الغارات المدمرة إذ داهمها هولاكو 1260م وظلت تحت الهدم والفتك أسبوعاً كاملاً، ثم تكررت غارات المغول حتى احتلها تيمورلنك عام 1400م. وفي عام 1516م أنهى العثمانيون حكم المماليك في حلب بعد موقعة مرج دابق واستمرت تحت الحكم العثماني حتى الثورة العربية الكبرى 1920م
تتمتع مدينة حلب القديمة ضمن الأسوار بميزة فريدة في العالم، فهي محافظة على طابعها التاريخي وزاخرة بالأوابد المعمارية الهامة. وتتوسطها قلعة حلب والجامع الأموي الكبير. ولكي نستطيع زيارتها لابد أن ننطلق من منطقة الجامع والقلعة ومن أبوابها حيث ابتدأت التجمعات المعمارية القديمة.(2)
حي الجديدة:
إن أجمل بيوت حلب التقليدية تقع في حي الجديدة الذي أنشئ بعد عام 1420 وقد سكن فيه تجار المدينة والأغنياء فأحسنوا بناء بيوتهم حول الكنائس القديمة ككنيسة الأربعين شهيداً القرن الخامس، وكنيسة مار الياس وكنيسة السيدة. قامت الدور في هذا الحي في شوارع متوازية على شكل أحياء مغلقة. وجميع البيوت مزدانة بزخارف خشبية وكتابات في الغرف ولها أقنية ذات نوافير وأزهار. ومن أبرز هذه البيوت بيت باسيل والدلال وصائغ والوكيل وكبة وغزالة، وأجقباش وأصبح متحفاً للتقاليد الشعبية. والسيسي وأصبح مطعماً، ووقف إبشير باشا ويضم سوقاً رائعاً بعمارته وجامعاً وخاناً ومصبغة وفرناً وقهوة 1653م.
منطقة باب الفرج
هي مركز المدينة، وفيها باب للمدينة أنشئ في عصر الملك الظاهر غازي، ولقد هدم عام 1904. ولم يبقَ إلا برجه الجنوبي. وفي وسط ساحة باب الفرج يقوم برج الساعة أنشئ عام 1899. وإلى الشرق من برج الساعة يقع مسجد بحسيتا 1350م وإلى شرقه المدرسة القرموطية 1477م وجددت عام 1570م. وفي النهاية الشرقية يقع الجامع العمري 1393م ثم جامع الدباغة العتيقة 1404م. وتقع المكتبة الوطنية في ساحة باب الفرج مقابل برج الساعة.
حول باب الحديد
يقع باب الحديد في شرق باب الفرج وقربه يقع مخفر الحديد الذي رمم، ثم المدرسة الأتابكية على بعد مئة متر من الباب 1385م ثم التكية الإخلاصية 1634م وجامع الصروي في حي البياضة 1402م، وحمام البياضة 1450م، ومكتب الحموي 1560م وهو مسجد رمم وجدد 1768م. وفي شرق خندق الروم في حي باب النيرب تقع المدرسة الطرنطائية 1373م.
حول باب النصر
أعاد بناء الباب الملك الظاهر غازي 1212م، ومقابله يقوم خان أوج خان أي الخانات الثلاثة، وهو أقدم خان خارج الأسوار، جدده السلطان الغوري. ويقع بعده قصر جنبلاط أو جان بلاط من أتباع السلطان قايتباي ثم انتخب سلطاناً وقتل عام الأقواس 1510م. وقريب منه المدرسة العثمانية ذات الطراز التركي 1738م وأمامها مصبنة الزنابيلي 1824م وحمام أزدمر 1485م وحمام القاضي 1508م وجامع المهمندار ق14م وخان قورت بيك ابن خسرو باشا ق16م.
أما خانقاه الفرافرة فقد بنته ضيفة خاتون 1237م، ولقد تم ترميمه مؤخراً، وهو رباط لإيواء الفقراء والمقطوعين.
وجامع الحيّات بناء قديم جداً، وبجواره المدرسة الرشدية العسكرية مقابل القلعة 1882م وكانت مخصصة للتعليم العسكري وتشغلها حالياً مديرية الخدمات الفنية. وعلى بعد 100م من باب النصر يقع جامع الزكي 1439م.
حول باب قنسرين وباب أنطاكية
من أوائل الجوامع العثمانية جامع العادلية 1557م، وإلى الشرق منه تربة المرحومة كوهر ملكشاه من آل عثمان 1752م وتقوم خلف واجهة جامع السفاحية المشهور بمئذنته وجامع السفاحية أنشئ 1464م. أما البيمارستان الأرغوني الكاملي فهو مشفى تم بناؤه عام 1354م، وقد رمم وأصبح موئلاً سياحياً. وهو مشفى متكامل ولعله كان مخصصاً للأمراض المعدية. وإلى جانبه يقع خان القاضي من أقدم الخانات الحلبية 1450م ثم حمام الجوهري في الشارع المؤدي إلى باب قنسرين 1404م. ثم جامع منكلي بغا أو جامع الرومي 1521م ويمتاز بمئذنته وبقبته المقرنصة، وشرقي جامع العادلية يقع جامع الموازيني أنشأه سيف الدين تغري بردي والد المؤرخ المشهور 1395م.
وإلى الجنوب الشرقي من باب قنسرين نزور قلعة الشريف 1085م وكانت متصلة بتحصينات المدينة.
في حي الجلوم
وفي حي الجلوم يقع جامع البهرمية 1580م ويمتاز بمئذنته ومحرابه. وإلى الشرق مدرسة الجلبي 1763م والبيمارستان النوري أنشأه نور الدين في منتصف القرن 12م، وإلى الغرب المدرسة المقدمية 1168م وخان القصابية أو خان أيرك 1510م وخان الجمرك ويضم 127 مخزناً في طابقين، وجامع التوتة جدد عام 1150م ثم جامع القيقان في حي العقبة والملاصق للسور. وفي جنوب الجلوم تقع الزاوية الهلالية وهي مسجد قديم جدد عام 1790م.
حول باب المقام
وحول باب المقام في حي الفردوس مازال ضريح خاير بيك 1522م ثم مدفن أوغلبك 1476م ويقع شمال المدرسة الظاهرية البرانية التي تقع جنوب المقام 1219م والمدرسة الكاملية 1237م وجامع ومدرسة الفردوس إلى الجنوب الغربي من المدرسة الظاهرية والتي أنشأتها ضيفة خاتون وهي مدرسة ومدفن ورباط وتعتبر من أكبر مدارس حلب.
وبالقرب من المدرسة الكاملية يقع مدفن وسبيل قره سنقر 1303م ويعرف باسم سبيل المقامات. أما مقام الصالحين فيحوي العديد من القبور الدوارس وقد نقل أحد القبور الحجرية إلى متحف حلب. وفي جنوب محلة الفردوس تقوم تربة الرحالة على الهروي 1207م صاحب كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات" وهي ما تبقى من المدرسة. وفي غرب مدينة حلب يقع مشهد الحسين وعليه كتابات هامة