رعايتكم حق علينا
هل باستطاعة الإنسان أن يؤدي حق والديه عليه..إن أجمل في برهما وأحسن معاملتهما..
هذا التساؤل قفز الى ذهنى عندما تذكرت قصة الرجل الذى أراد البر بأمه وأن يرد لها بعض مالها عليه من فضل ، فحملها على ظهره حاجا بها مؤديا كل شعائر الحج من طواف وسعى حاملا اياها على ظهره . وفي أثناء الطواف مر بالصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.. وهو واقف عند المقام.. فقال الرجل : السلام عليك يا ابن عمر.. هذه والدتي.. وأنا ابنها.. أترى أني كافأتها بذلك؟!.. فقال ابن عمر : والذي نفسي بيده.. ولا بطلقة واحدة من طلق الحمل!!.. برغم أنه حمل أمه فوق ظهره وطاف وسعى بها وهي على ظهره إلا أن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لم ير أنه قد كافأها ولو بطلقة واحدة من طلق الحمل!!. فهل نضن على آبائنا وأمهاتنا بأداء بعض مالهم علينا !!!
ان ما يحتاجه الأب المسن والأم المسنة أقل مما فعله هذا الرجل الذى اعتبره الصحابى الجليل لم يوف قدر طلق ولادة رغم ما كابده من عناء حمل أمه على ظهره فى كل شعائر الحج . انه النذر اليسير من فيض ما أعطياه ، ان ما يحتاجه كل منهما منا يمكن ايجازه فى النقاط التالية :
1- مساعدته ومساعدتها على تقبل صورة ذاتهما ، وعلينا أن نطلب منهما المساعدة بخبراتهما فى الحياة ، فكل منهما قد حصل الكثير ، ويستطيع أن يعطى ويبتكر أشياء جديدة وجميلة ، وعلينا أن نحثهما على الاستمرار فى المحاولات والتجريب ، وأن نلجأ لهما طلبا لهذه الخبرة ولا نحيل خبراتهما قط للتقاعد ، فهى كنز يمكن أن يعيننا فى تجنب الكثير من الأخطاء ويوفر علينا العديد من المحاولات الخاطئة.
2- علينا أن ندرك أن الحياة الطويلة قيمتها فى ذاتها . ولكل فرد ماضيه وكفاحه ، وماضيه يحثه على اثبات وجوده فى حاضره ، علينا أن ندرك أن حياته الماضية متعة بالنسبة اليه. فلنشاركه هذه المتعة ، ولنستمتع بسمعاعها والإنصات الجيد لها فهذا سيساعده ، وسيساعدنا ، سيمتعه ويمتعنا .
3- الشيخوخة تؤدى الى نقصان فى بعض الجوانب ، وزيادة فى جوانب أخرى ، فليست كلها ضعفاً ، كما أنها ليست كلها قوة ، انما هى حالة من حالات تطور الفرد لها ميزاتها وخواصها . وعلينا أن نستعين بجوانب القوة لدى المسن لكى نتمكن من مساعدته فى جوانب ضعفه دون أن يشعر بأن هذا يقلل من قدره ، أو يحط مما كان يحظى به من تقدير.
4- علينا أن نساعد آباءنا وأمهاتنا ممن بلغوا سن الشيخوخة فى تقبل حياتهم كما هى ، وأن نجنبهم الاصطدام ببيئة الشباب التى يعيشون فى اطارها. وليقر فى خاطرنا أن الصحة النفسية تقاس بمدى تقبل الفرد لنفسه كما هى والناس كما هم. علينا ألا نقحم عوالمنا واهتماماتنا فى عوالمهم واهتماماتهم ، بل أن نشاركهم متعة الحياة فى ظل ما يستمتعون به ، وأن نقدر مالهم من قيم ، ومعايير وسلوكيات ، وأن نتجنب نقد هذه القيم أو التقليل من شأنها ، فهى حياتهم ، وفيها وجدوا أنفسهم ، فلا نسعى الى اغترابهم .
5- التعلم نوع من الحياة ، وعلينا أن نتعلم أشياء جديدة ، فى كل يوم يمر بنا ، ومن كل خبرة نواجهها. واذا أبدينا وتصرفنا وفقا لهذا المبدأ مع آبائنا وأمهاتنا فسوف نتعلم منهم الجديد ، وسنشجعهم على أن يتعلموا هم أيضا شىء جديد مع كل انبلاجة صبح واشراقة شمس .
6- نعم قد تضعف الملذات الجسمية والحسية فى فترة الشيخوخة ، لكن اللذة والمتعة الروحية والفكرية والدينية تتسع وتتعمق . وواجبنا أن نستثمر هذه الزيادة والتعمق بأن نغترف منها معهم لتزداد متعتهم ويزداد ثراؤنا الفكرى.
7- علينا أن ندعم الشيوخ فى تغيير رؤيتهم للتقاعد ، وأن نساعدهم فى القناعة القائلة بأنهم يتقاعدون الى وليس من ، يتقاعدون الى مرحلة أكثر رحابة وأقل تقييدا وأكثر عطاءً ، وأنهم وإيانا فى حاجة ماسة الى الغد ، ولكل هدف يسعى اليه ، ونشاط محدد يصل به فى النهاية الى تحقيق هدفه . التفاعل عملية مستمرة لا تنتهى،فعن أنسٍ رضيَ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي ِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ،فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها ).
8- وانطلاقا من الحديث السابق يجب التأكيد للشباب قبل الشيوخ على أهمية العمل ، فالعمل أيا كان خير أطباء البشرية ، وهو طريق السعادة ، العمل ليس فقط هو كفاح الحياة بل هو الحياة نفسها . هو الشق الثانى للصحة النفسية التى تتمثل فى القدرة على الحب والعمل.