الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
ظاهرة النشاط الزائد الذي من الممكن أن يؤدي إلى التخريب عند بعض الأطفال
يدمر الطفل الصغير ما حوله من أشياء ولعب وخلافه ولكن دون قصد، فهو لا يزال قاصراً عن إدراك قيمة الأشياء، ويساعد على التدمير ضعف التآزر الحركي لديه، أو عدم قدرته على السيطرة على الأشياء، كما يرجع تدمير الطفل وقسوته على الأشياء إلى رغبته في اللعب وحب استطلاعه والميل إلى التعرف إلى ما حوله بطريقة فطرية وحبه للتعرف إلى العلاقات المادية بين الأشياء ومحاولته التعلم والتعرف إلى ما بداخل لعبته أو دميته ورغبته الملحة في الحل والتركيب واستكشاف الأشياء واختيارها إلى غير ذلك، ولذا فهي ليست عملية تخريبية كما ينظر إليها الكبار، وينبغي أن يدرك المربون أن هذا السلوك تفرضه طبيعة النمو في مراحل العمر المبكرة، وعلى المربين توافر المناشط الحركية المختلفة التي توفر له إشباع حاجته لحب الاستطلاع والمعرفة والفك والتركيب، الأمر الذي يكشف له مجاهل العالم الغامض من حوله، وينمِّي لديه القدرة على الابتكار والإبداع وحب المعرفة والبحث·
إذن يتضح لنا مما سبق أنه ليس كل إتلاف تخريب، فالطفل في أثناء تجاربه مع ما حوله من المحسوسات قد يتلفها أو يخربها أو قد يضر بنفسه فيجرح إصبعه أو يصيب أي عضو من أعضاء جسمه، وهو بذلك لا يقصد الإتلاف أو التخريب، ولكنه يقصد التجريب، بهدف التعرف إلى الحياة وأسرارها، ذلك التعرف الذي يشكل شخصيته وينميها، فعن طريق الإتلاف والتخريب والعمل والتعامل مع المحسوسات يدرك الطفل الأوزان والحرارة والبرودة، كما يدرك المسافات والألوان وطعم الأشياء والمأكولات، وشكل المحسوسات ومحتوياتها، ومكنوناتها، وهو في ذلك لا يختلف عن العالم في معمله، فمعمل الطفل هو كل ما حوله، وهو يشتق لذة وسعادة من اكتشافاته، كما يشتق العالم اللذة والسعادة من نتائج أبحاثه وتجاربه، ومعنى ذلك أن ما نسميه إتلافاً أو تخريباً في الطفولة الأولى، أو ما يسميه بعضهم بلعب الأطفال، هو في الواقع نشاط ضروري لنمو شخصية الطفل وليست ميولاً شريرة، كما قد يظن·
إن التعرف الحسي للطفل لما حوله، والتجارب الشخصية التي يجريها بنفسه والتي قد نسميها تخريباً هي الأسلوب الأساسي الذي يتعرف به الطفل إلى دنياه الجديدة، وعن طريق هذه التجارب يدرك الفوارق بين الأشياء وصفاتها، وبذلك يكتسب كثيراً من الخبرات اللازمة لاستمرار الحياة·
إن الطفل يولد بدافع شديد لحب الاستطلاع يجعل عقله وحواسه تتعطش لكسب الخبرة وهضمها، تماماً كما يحتاج جسمه للغذاء وإلى هضمه لذلك يجب على الآباء إعطاء الطفل فرصاً للتعرف إلى ما حوله تحت إشرافهم، بحيث لا يضر الطفل بنفسه أو بما يحرصون على حمايته من الطفل·
وإذا ما كبر الطفل وكانت تصرفاته من حيث الإتلاف تزيد عن تصرفات أقرانه بشكل مبالغ فيه، فقد نسمّي هذا الطفل مخرباً، ولكن لماذا يلجأ بعض الأطفال إلى المبالغة في التخريب والإتلاف؟
إن الأسباب عادة تكون أحد أو أكثر من أحد الأسباب التالية:
1 النمو الجسمي والنشاط الزائد مع الحياة حياة مغلقة مملة ليس بها نشاط يستنفد النشاط الزائد عند الطفل·
2 عوامل عضوية حيث تؤدي الإصابة المخية أو تلف الجهاز العصبي المركزي إلى النشاط الحركي الزائد ولجوء الأطفال إلى المبالغة في التخريب والإتلاف، فدائماً نجد الأطفال غير المستقرين حركياً كثيري الحركة ولا يمكنهم أن يستقروا في مكان ما، ولابد أن يعبثوا بما يعترض طريقهم من أشياء، وقد تؤدي أيضاً زيادة إفراز الغدد الدرقية إلى نشاط الأطفال الزائد وعدم استقرارهم الحركي الأمر الذي قد يؤدي إلى تخريب الأشياء·
3 اضطرابات الغدد بحيث تؤثر على التآزر العضلي والتناسق الحركي وقد يحدث ذلك لبعض الشباب في أثناء فترة المراهقة فيكسرون ما يقع تحت أيديهم نتيجة زيادة إفرازات الغدد·
4 النمو الجسمي الزائد مع انخفاض مستوى الذكاء، بحيث لا يتمكن لضعف عقله من استغلال نشاطه الجسمي فيما يعود عليه بالفائدة ويحول دونه والتخريب·
5 قد يكون التخريب للاضطراب النفسي أو المرض النفسي أو الشعور بالنقص أو الظلم، يلجأ الطفل إلى الانتقام أو كسر ما يقع تحت يديه وذلك بأسلوب لا شعوري، فيشعره باللذة والنشوة لانتقامه ممن حوله·
6 قد يدفع الشعور بالنقص الطفل إلى التخريب وذلك لإثبات وجوده وسيطرته على البيئة· وقد يكون التخريب نتيجة لاتجاهات والديه خاطئة كالتدليل الزائد أو الإهمال المفرط أو الحرمان من الحب، وفي بعض الأحيان، يأتي الميل إلى التدمير عن صراع نفسي شديد العمق لا يدري الطفل ولا والديه شيئاً عنه·
ولعلاج ظاهرة الإتلاف والتخريب يجب التشخيص الدقيق والدراسة المتعمقة للدوافع الكامنة وراء التخريب والإتلاف:
1 إذا كانت الأسباب عضوية فيجب علاجها واستنفاد الطاقة الزائدة عند الطفل في نشاط بناء، وأن نهتم بتقديم البرامج الطبية والفنية والرياضية التي تساعد على استنفاد طاقة الطفل الزائدة وإكسابهم ذلك التوفيق العضلي الذي يلزمهم عند تناول الأشياء وإشباع حاجة الطفل إلى النمو العقلي والمعرفة·
2 إذا كانت الأسباب نفسية كالشعور بالغيرة أو الشعور بالنقص أو الإهمال أو الحرمان الشديد من الحب، فإن المعالج النفسي ويعتبر من أنسب الطرق المتبعة مع الأطفال، فالعلاج باللعب والعلاج بالرسم، لا يقتصر على الطفل فقط، بل توجه الأسرة إلى الطرق التربوية المناسبة التي تساعد على تحسن هذه الحالات·
3 يجب أن نقلل قدر الإمكان من القيود التي تفرض على الأطفال سواء في المنزل أو في المدرسة، تلك القيود التي تتمثل أحياناً في المبالغة في كثرة الأوامر والنواهي التي تجعل الأطفال يشعرون بالضيق والملل، وليس معنى ذلك أبداً ترك الحبل على الغارب، فخير الأمور الوسط، والحزم مع المرونة، والغفران والمحبة يحققان الغرض من التربية الاستقلالية السليمة·
إن التعسف مع الطفل وتعويده ألا يسلك إلا وفقاً لأوامر والديه أو أوامر البالغين تجعل منه طفلاً اعتمادياً، عديم الثقة في نفسه، يميل إلى الخضوع والاستسلام والطاعة العمياء التي تجعله يشب ضعيف الشخصية·
وما يساعد كثيراً على علاج حالات التخريب عند الأطفال تشجيع الطفل المخرِّب على أن يظهر مزاياه، ونقاط القوة في مواهبه، حتى يبدأ في استرداد ثقته في نفسه·
كما يجب مساعدته أيضاً بدفعه إلى الاختلاط والمشاركة مع الآخرين في أعمالهم وألعابهم وهواياتهم، ذلك لأن الأخذ والعطاء ينمِّي شخصيته الاجتماعية، ويساعده على التعبير عن مكنونات نفسه، ويبعده عن الشعور بالحرمان، والشعور بالعزلة الانفعالية، التي قد تكون المصدر الرئيس لشعوره بالذنب وشعوره بالاضطهاد وكلاهما يوتره نفسياً وجسمياً، وقد يدفعه التوتر إلى التخريب والانتقام·
ويجب أن يدرك الآباء أن أفدح المصاعب الانفعالية التي يعاني منها الطفل الناشئ قد تبقى آثارها السيئة طول حياته إنما تنتج من عدم شعوره بالأمن والطمأنينة، والأمر الذي يؤدي به إلى الشعور بعدم القبول أو بأنه منبوذ أو مكروه أو مهمل، مما قد يدفعه إلى الانتقام عن طريق التخريب·
لذلك كان العطف والحنان والدفء والمحبة وإشباع الحاجات النفسية الضرورية للطفل من أولى واجبات الآباء والمربين في تربية الأطفال بعامة، وفي علاج حالات الأطفال الذين قد يلجأون إلى التخريب بخاصة·
منقوووول
اريد ردود يلا